منتديات القلمونة
بقلوب ملؤها المحبة
وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة

منتديات القلمونة
بقلوب ملؤها المحبة
وأفئدة تنبض بالمودة
وكلمات تبحث عن روح الاخوة
نقول لكِ أهلا وسهلا
اهلا بكِ بقلوبنا قبل حروفنا
بكل سعادة وبكل عزة

منتديات القلمونة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات القلمونة

منتـــــديات القلمونة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هيثم
المدير العام
المدير العام
هيثم


عدد المساهمات : 1576
تاريخ التسجيل : 14/10/2011

عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر  Empty
مُساهمةموضوع: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر    عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر  Emptyالأحد أكتوبر 23, 2011 3:45 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
من أشراط الساعة

المسألة الأولى : معنى المهدي
المهدي : لغة اسم مفعول من : هداه هدى وهديا وهداية ، والهدى : هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين هدى ، وهديته الطريق ، وإلى الطريق هداية : أي عرفته (1) .
وقال ابن الأثير : المهدي الذي هداه الله إلى الحق ، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة (2) .
وقد وردت هذه الكلمة في أحاديث عديدة ، منها حديث العرباض بن سارية ، وفيه : « وسنة الخلفاء الراشدين المهديين » (3) .
وقال ابن الأثير : " ويريد بالخلفاء المهديين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم أجمعين وإن كان عاما في كل من سار سيرتهم " (4) .
والمراد بالمهدي هنا : هو الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجيء في آخر الزمان ، ويؤيد الدين ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ، ويكون من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ، ويخرج في زمنه عيسى عليه السلام ، والدجال .
وقد وردت في شأن المهدي أحاديث كثيرة ما بين صحاح وحسان وضعاف تنجبر وضعاف شديدة الضعف (5) .
وهذه الأحاديث توضح وتخبر عن خروجه في الناس ، وذلك بعد ما يعم الأرض الظلم والفساد والطغيان ؛ فيأتي ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما .
_________
(1) انظر : النهاية في غريب الحديث : ( 5 / 254 ) ، ولسان العرب ( 15 / 353 ، 354 ) .
(2) النهاية في غريب الحديث ( 5 / 254 ) .
(3) جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 4 / 126 ) ، وأبو داود في سننه : كتاب السنة ( 5 / 13 ) ، والترمذي في سننه : كتاب العلم ( 5 / 44 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
(4) النهاية في غريب الحديث ( 5 / 254 ) .
(5) صرح بنحوه ابن القيم في المنار المنيف ( 148 ) إذ قال : هذه الأحاديث أربعة أقسام : صحاح وحسان ، وغرائب ، وموضوعة ، وكذا قال الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص ( 42 ) .
وهو من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبناء فاطمة - رضي الله عنها - وعلى خده شامة كأنها كوكب دري .
المسألة الثانية : اسمه واسم أبيه ونسبه
اسم المهدي ( محمد ) ، واسم أبيه ( عبد الله ) .
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني - أو من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض . . . » الحديث .
وفي رواية أخرى : « لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » .
وفي رواية أخرى : « يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » ، قال : وقال أبو هريرة : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي . . . » (1) .
وأما نسبه : فالروايات الكثيرة تبين لنا أنه من ولد فاطمة البتول ، ابنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام - رضي الله عنها - وعن أولادها الطاهرين .
عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « المهدي من عترتي (2) من ولد فاطمة » (3) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » (4) .
_________
(1) أخرجه أبو داود في سننه : كتاب المهدي ( 4 / 151 ) ، والترمذي في سننه : كتاب الفتن ( 9 / 74 ) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وذكر الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة ( 4 / 211 ) وأشار إلى صحته .
(2) قال الخطابي : العترة : ولد الرجل لصلبه ، ويكون العترة للأقرباء وبني العمومة ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه يوم السقيفة : نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم . معالم السنن ( 4 / 474 ) .
(3) أخرجه أبو داود في سننه : كتاب المهدي ( 4 / 474 ) ، وابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1368 ) ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 557 ) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 2 / 140 ) .
(4) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 1 / 84 ) وابن ماجه في سننه : كتاب الفتن ( 2 / 1367 ) . ومعنى يصلحه الله في ليلة : يتوب عليه ويوفقه ويلهمه رشده بعد أن لم يكن كذلك ، النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير ( 1 / 55 ) .
فهذه الأخبار كلها تؤكد أن المهدي من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من ولد فاطمة الزهراء ، وهذا ما عليه جماهير الأمة ، فلا يسوغ العدول عنه ولا الالتفات إلى غيره من الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في المهدي : وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه (1) .
_________
(1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 31 ) .
المسألة الثالثة : صفة المهدي
من صفات المهدي الواردة في السنة ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المهدي مني ، أجلى الجبهة (1) ، أقنى الأنف (2) ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، ويملك سبع سنين » (3) .
ومن الأمور الدالة عليه ، أنه يخرج في زمان ساد فيه الجور والظلم ، فيقيم هو بأمر الله العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة ، حيث يسقيه الله الغيث فتمطر السماء كثيرا لا تدخر شيئا من قطرها ، وتؤتي الأرض أكلها لا تدخر عن الناس شيئا من نباتها ، وتكثر المواشي بسبب الخيرات ، ويفيض المال فيقسمه بين الناس بالسوية . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطي المال صحاحا ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة ، يعيش سبعا ، أو ثمانيا ، يعني حججا » (4) .
_________
(1) ( أجلى الجبهة ) : الأجلى : الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين ، والذي انحسر الشعر عن جبهته : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 290 ) .
(2) ( أقنى الأنف ) : القنا في الأنف : طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه . النهاية في غريب الحديث ( 4 / 116 ) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 3 / 17 ) وأبو داود برقم ( 4285 ) في المهدي ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 557 ) ، وقد أشار الشيخ الألباني إلى صحته في تخريج المشكاة برقم ( 5454 ).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 557 - 558 ) وقال : حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، والحديث أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ( 2 / 336 ) ، وقال : هذا سند صحيح ، رجاله ثقات .
المسألة الرابعة : مكان خروج المهدي وزمانه ومدة مكثه في الأرض
ليست هناك روايات صحيحة صريحة تدل على مكان خروجه ، أو الزمن الذي يخرج فيه ، ولكن استأنس أهل العلم في بيان ذلك من مفهوم بعض الروايات وإن لم تكن قطعية .
فعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقتتل عند كنزكم ثلاثة ، كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم " . ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال : " فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي » (1) .
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ( 2 / 193 ) .

قال ابن كثير - رحمه الله - : والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة ، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء ، حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامرا ، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان ، فإن هذا نوع من الهذيان ، وقسط كبير من الخذلان ، شديد من الشيطان ؛ إذ لا دليل على ذلك ، ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان ، إلى أن قال : " ويؤيده بناس من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه ، وتكون راياتهم سودا أيضا ، وهو زي عليه الوقار ؛ لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال له العقاب " إلى أن قال : " والمقصود : أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق ، ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الأحاديث " (1) .
_________
(1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 55 ، 56 ) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة » (1) .
وهناك رواية أوردها ابن القيم - رحمه الله - في المنار المنيف حدد فيها اسم الأمير الذي يصلي إماما وأنه المهدي بلفظ : « فيقول أميرهم المهدي : تعال صلّ بنا » . . . إلى آخر الحديث . ثم قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن أورد الحديث : وهذا إسناد جيد (2) .
وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث ، فإذا كانوا ببيداء من الأرض (3) خسف بهم ، فقلت : يا رسول الله ، فكيف بمن كان كارها ؟ قال : يخسف به معهم ، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته » (4) .
وعن حفصة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة ، يبعث إليهم جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم » (5) .
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ( 2 / 193 ) .
(2) المنار المنيف ص ( 148 ) .
(3) يقول النووي - رحمه الله - قال العلماء : البيداء كل أرض ملساء لا شيء بها ، وبيداء المدينة : الشرف الذي قدام ذي الحليفة أي إلى جهة مكة . شرح صحيح مسلم للنووي ( 18 / 5 ) .
(4) أخرجه مسلم في صحيحه . كتاب الفتن : ( 4 / 2209 ) .
(5) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الفتن : ( 4 / 2210 ) .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : « عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه ، فقلنا : يا رسول الله ، صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله ؟ فقال : " العجب أن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش ، قد لجأ بالبيت ، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم " ، فقلنا : يا رسول الله ، إن الطريق قد تجمع الناس ، فقال : " نعم ، فيهم المستبصر (1) ، والمجبور (2) ، وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ، ويصدرون مصادر شتى (3) ، يبعثهم الله عز وجل على نياتهم » (4) .
ففي هذه الروايات الثلاث عن أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - جميعا ، إشارة صريحة للعائذ بالبيت وأنه من قريش ، وأنه يؤيد بنصر الله ، فيهلك الله أعداءه بالخسف .
وقد ورد أيضا في الأحاديث الصحيحة ذكر خليفة يكثر الخير في زمانه حتى إنه يحثو المال حثوا ولا يعده عددا ويعطيه للناس بدون عدد ، ولكن الروايات هنا أيضا لم تحدد اسم هذا الخليفة .
فعن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده » .
وفي رواية : « يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا » (5) .
_________
(1) ( المستبصر ) : المستبين للشيء ، القاصد له عمدا ، يعني أنهم كانوا على بصيرة من ضلالتهم : النهاية في غريب الحديث ( 1 / 132 ) .
(2) ( المجبور ) : أي المكره على الخروج دون إرادته . النهاية في غريب الحديث ( 1 / 236 ) .
(3) ( مصادر شتى ) : أي يهلكون جميعهم ، ولكن مصادرهم عن الهلكة متفرقة ، فمنهم إلى الجنة ، ومنهم إلى النار على قدر أعمالهم ونياتهم : النهاية في غريب الحديث ( 4 / 15 ) .
(4) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفتن ( 4 / 2210 ) .
(5) أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الفتن ( 4 / 2234 ، 2235 ) .
وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج من بني هاشم فيأتي مكة فيستخرجه الناس من بيته بين الركن والمقام ، فيجهز إليه رجل من قريش ، أخواله من كلب ، فيجهز إليه جيش فيهزمهم الله ، فتكون الدائرة عليهم ، فذلك يوم كلب ، الخائب من خاب من غنيمة كلب ، فيستفتح الكنوز ويقسم الأموال ، ويلقي الإسلام بجرانه (1) إلى الأرض ، فيعيشون بذلك سبع سنين أو قال : تسعا » (2) .
وفي رواية أبي داود : " . . . « فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام » . . . " (3) الحديث .
_________
(1) ( بجرانه ) الجران : باطن العنق ، والمعنى : أن الإسلام قد قر قراره واستقام وطبقت أحكامه . لسان العرب ( 13 / 86 ) .
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط ( 2 / 35 ) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ( 7 / 318 ) : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح .
(3) أخرجه أبو داود : كتاب المهدي ( 4 / 475 ) .
** ومن مجمل الروايات السابقة يتبين لنا أن المهدي رجل صالح يخرج في آخر الزمان ، ويأوي إلى مكة هاربا من المدينة ، فيبايع بين الركن والمقام عند الكعبة المشرفة ، فيبعث إليه جيش لقتله فيخسف بهم ، وينصره الله ويؤيده فيحكم بالإسلام ، وينشر العدل بين الناس ، ويعم الرخاء والنعمة بزمانه ، ويلتقي مع نبي الله عيسى عليه السلام فيؤم الأمة وعيسى عليه السلام يصلي خلفه ، ويخرج معه ويساعده على قتل الدجال ، ويعيش سبعا أو تسع سنين ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون }.
المسألة الخامسة : تواتر أحاديث المهدي
لقد نص على تواتر الأحاديث في المهدي تواترا معنويا عدد من الأئمة والعلماء :
يقول الحافظ أبو الحسن الآبري (1) : " وقد تواترت الأخبار واستفاضت وكثرت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخروجه ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملأ الأرض عدلا ، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد (2) ، بأرض فلسطين ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه " (3)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم " (4) .
ويقول الحافظ ابن كثير : " فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان ، وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، وليس بالمنتظر الذي تزعم الروافض وترتجي ظهوره من سرداب في سامرا ، فإن ذاك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر . . . وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه في آخر الدهر ، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم كما دلت على ذلك الأحاديث " (5) .
_________
(1) هو أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السجستاني الآبري ، المحدث ، الحافظ ، المؤرخ ، صاحب مناقب الإمام الشافعي ، توفي سنة 363 هـ . سير أعلام النبلاء ( 16 / 299 ) ، شذرات الذهب ( 3 / 46 ) .
(2) لد : بالضم والتشديد ، بلدة معروفة في فلسطين ، قريبة من بيت المقدس ، وهي التي ببابها يدرك عيسى عليه السلام الدجال فيقتله . معجم البلدان : ( 5 / 15 ) .
(3) انظر كلامه هذا في تهذيب التهذيب : ( 9 / 144 ) .
(4) منهاج السنة النبوية : ( 4 / 95 ) .
(5) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 49 ) .
ويقول العلامة محمد السفاريني في المهدي : " وقد كثرت بخروجه - أي المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة ، حتى عد من معتقداتهم " (1) .
ويقول أيضا : " وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد بمجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة " (2) .
ويقول العلامة محمد البرزنجي في كتابه - الإشاعة لأشراط الساعة - : " قد علمت أن أحاديث المهدي وخروجه آخر الزمان وأنه من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة عليها السلام بلغت حد التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها " (3)
ويقول العلامة محمد صديق خان بن حسن القنوجي (4) في كتابه - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة - : " الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف روايتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد " (5) .
_________
(1) لوامع الأنوار البهية : ( 2 / 84 ) .
(2) المصدر نفسه .
(3) الإشاعة في أشراط الساعة ( 236 ) .
(4) هو أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن خان القنوجي ، ولد في بريلي ، وتعلم في الهند ، قرأ وكتب كثيرا ، وله مصنفات كثيرة منها : الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، الروضة الندية في شرح الدرة البهية ، والدين الخالص ، وغيرها ، توفي سنة 1307 هـ . انظر : الأعلام للزركلي : ( 6 / 167 - 168 ) .
(5) الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : 112 - 113 .
وقال العلامة الشوكاني : " الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا ، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك وشبهة ، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا ، لها حكم الرفع ؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك " (1) .
وقال العلامة محمد بن جعفر الكتاني (2) : " والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام " (3) .
ويقول العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي : " واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على إثره ، وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته .
_________
(1) التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح . ورقة : ( 4 ، 5 ) .
(2) هو أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني الحسني الفاسي ، مؤرخ ومحدث ، ولد في فاس بالمغرب ، ورحل في طلب العلم ، له عدة مصنفات منها : نظم المتناثر من الحديث المتواتر ، توفي سنة 1345 هـ . انظر : الأعلام ( 6 / 72 - 73 ) .
(3) نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 174 .
وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم : أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبزار ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل : علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطلحة ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري ، وأم حبيبة ، وأم سلمة ، وثوبان ، وقرة بن إياس ، وعلي الهلالي ، وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم (1) .
ويقول سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - ما ملخصه : " أمر المهدي معلوم ، والأحاديث فيه مستفيضة ، بل متواترة متعاضدة ، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها ، وتواترها تواتر معنوي ، لكثرة طرقها ، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها ، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق ، وهو محمد بن عبد الله العلوي الحسني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وهذا الإمام من رحمة الله عز وجل بالأمة في آخر الزمان ، يخرج فيقيم العدل والحق ، ويمنع الظلم والجور ، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلا وهداية وتوفيقا وإرشادا للناس .
_________
(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود ( 11 / 361 ) .
وقد اطلعت على كثير من أحاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره ، وكما قال ابن القيم وغيره : فيها الصحيح ، وفيها الحسن ، وفيها الضعيف المنجبر ، وفيها أخبار موضوعة ، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده ، سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره ، وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره ، وهكذا الأحاديث الضعيفة إذا انجبرت وشد بعضها بعضا ، فإنها حجة عند أهل العلم . . . والحق أن جمهور أهل العلم - بل هو كالاتفاق - على ثبوت أمر المهدي ، وأنه حق ، وأنه سيخرج في آخر الزمان ، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك " (1) .
_________
(1) نقلا عن كتاب : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لفضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن العباد - حفظه الله - ص : ( 157 - 159 )
وقد أحصى فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - في كتابه القيم عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر عدد الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي فبلغوا ستة وعشرين صحابيا ، كما أحصى عدد الأئمة الذين خرجوا هذه الأحاديث والآثار في كتبهم فبلغوا ستة وثلاثين إماما ، منهم أصحاب السنن الأربعة والإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وغيرهم ، كما ذكر بعض من ألف في شأن المهدي ، والذين حكموا على أحاديث المهدي بالتواتر ، كما ذكر بعض العلماء المحققين الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وهم جمع كبير .
وفي الجملة : فهي رسالة جيدة وقيمة في هذا الموضوع يحسن الرجوع إليها وقراءتها لما اشتملت عليه من فوائد عظيمة .
المسألة السادسة : أقسام الناس في المهدي
انقسم الناس في أمر المهدي إلى طرفين ووسط :
1 - أما المذهب الوسط : فهو معتقد أهل السنة والجماعة الذين يثبتون خروج المهدي على ما دلت عليه النصوص الثابتة التي ذكر فيها اسمه واسم أبيه ونسبه وصفاته وأنه خليفة راشد ومصلح يظهر في آخر الزمان يؤيده الله ويصلح به العباد والبلاد .
يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حينما تكلم عن أقسام الناس في المهدي عن معتقد أهل السنة والجماعة : " القول الثالث : أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من ولد الحسن بن علي ، يخرج في آخر الزمان ، وقد امتلأت الأرض جورا وظلما ، فيملؤها قسطا وعدلا ، وأكثر الأحاديث على هذا تدل (1) " .
وقد سبق ذكر الأدلة التي تدل على خروجه وجملة من أقوال أهل العلم التي تبين معتقد أهل السنة والجماعة في المهدي .
_________
(1) المنار المنيف ص ( 148 ) .
2 - وأما الطرف الأول : فهم الذين ينكرون خروج المهدي قديما وحديثا من الذين ليس لهم خبرة بالنصوص وأقوال أهل العلم ، تمشيا مع مذهبهم الباطل في نفي الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولهم ولا توافق أهواءهم ويقولون : إن المهدي أسطورة وخرافة دخلت على أهل السنة من جهة الشيعة ، ويقولون أيضا : إن الأحاديث الواردة فيه بعضها باطل والبعض الآخر متناقض .
وقد رد العلماء على هؤلاء وبينوا فساد قولهم ومخالفته لما ثبت في النصوص الصحيحة .
ومن أجمل الردود في هذا الباب ما كتبه فضيلة شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد - حفظه الله - في رسالته : الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ، وما كتبه فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله بن حمد التويجري - رحمه الله - في كتابه الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر .
يقول شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - : " أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين ، أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ، وقد مضى حكاية كلام شيخ الإسلام عنه وأنه قد اعتمد على حديث : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وقال ابن تيمية : وليس مما يعتمد عليه لضعفه ، انتهى ، وسبق في أثناء كلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكن . ولم أقف على ترجمة لأبي محمد المذكور .
وأما الثاني : فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور ، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه أحاديث المهدي ، وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار ، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة ، وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الإذاعة حيث قال : " لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام ؛ لما تواتر من الأخبار في الباب واتفق عليه جمهور الأمة خلفا عن سلف إلا من لا يعتد بخلافه " وقال : " لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر " (1) انتهى .
ولعل المنكرين في عصرنا الحاضر للمهدي متأثرون بهذين الرجلين .
_________
(1) وانظر عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر ص ( 210 ، 211 ) .
3 - وأما الطرف الثالث : فهم من يغالي في أمر المهدي من الطوائف الضالة حتى ادعت كل طائفة منهم أن زعيمهم هو المهدي المنتظر ، وقد أشار الحافظ ابن القيم - رحمه الله - إلى هؤلاء بقوله : وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحس فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كل يوم !! يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به أن يخرج إليهم : اخرج يا مولانا ، اخرج يا مولانا ، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه ، ولقد أحسن من قال :

ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا ؟
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم ، وضحكة يسخر منهم كل عاقل (1) .
_________
(1) المنار المنيف ص ( 152 ) .
وبهذا يتبين أنه لا يلتفت إلى ضعف مَن ضعَّف أحاديث المهدي أو كذب بها ممن ليس من فرسان هذا العلم ولا يعتد بخلافه . وأما الذين أنكروا خروج المهدي في آخر الزمان وأنه لا مهدي سوى عيسى ابن مريم احتجاجا بحديث : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » (1) ، فإن هذا الحديث لا تقوم به حجة ؛ لأنه حديث ضعيف ومداره على محمد بن خالد الجندي وهو رجل ضعيف .
قال القرطبي : " قيل إن هذا الحديث لا يصح لأنه انفرد بروايته محمد بن خالد الجندي ، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ الجندي هذا مجهول ، واختلف عليه في إسناده . . . والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه " (2) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الحديث الذي فيه « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف ، رواه عن يونس عن الشافعي عن شيخ مجهول من أهل اليمن لا تقوم بإسناده حجة " (3) .
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة محمد بن خالد الجندي : قال الأزدي : منكر الحديث ، وقال أبو عبد الله الحاكم : مجهول .
_________
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه ( 2 / 1340 ) ، والحاكم في المستدرك ( 4 / 442 ) وقال : فذكرت ما انتهى إلي من علة هذا الحديث تعجبا لا محتجا به في المستدرك على الشيخين - رضي الله عنهما - فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري . . . عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » .
(2) التذكرة ( 2 / 723 ) .
(3) منهاج السنة النبوية ( 4 / 211 ) .
قلت : - القائل الذهبي - حديثه : « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » ، وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجه .
وقال الحافظ الذهبي أيضا : " فأما حديث « لا مهدي إلا عيسى ابن مريم » فضعيف ، فلا يعارض هذا الأحاديث (1) .
فهذا الحديث الضعيف لا يعارض به الأحاديث الصحيحة الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في شأن المهدي ، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه كما قال الإمام القرطبي : يحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام : « ولا مهدي إلا عيسى » : أي لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى ، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض (2) ، ويقول العلامة ابن قيم الجوزية : ولو صح لم يكن فيه حجة ؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الساعة ، وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، وحكمه بكتاب الله ، وقتله اليهود والنصارى ، ووضعه الجزية ، وإهلاك أهل الملل في زمانه ، فيصح أن يقال : لا مهدي في الحقيقة سواه وإن كان غيره مهديا ، كما يقال : لا علم إلا ما نفع ، ولا مال إلا ما وقى وجه صاحبه ، وكما يصح أن يقال : إنما المهدي عيسى ابن مريم ، يعني المهدي الكامل المعصوم " (3) .
_________
(1) ميزان الاعتدال ( 3 / 535 ) .
(2) التذكرة ( 2 / 723 ) .
(3) المنار المنيف ( 148 ) .
ويقول الحافظ ابن كثير : " وعند التأمل لا يتنافيان ، بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حقا هو عيسى ابن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا ، والله أعلم " (1) .
_________
(1) النهاية في الفتن والملاحم : ( 1 / 58 ) .

(يتبع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هيثم
المدير العام
المدير العام
هيثم


عدد المساهمات : 1576
تاريخ التسجيل : 14/10/2011

عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر    عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر  Emptyالأحد أكتوبر 23, 2011 3:47 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر

نقلاً عن مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في عددها الثالث من سنتها الأولى
ملخصاً لمحاضرة بعنوان «عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر»
للشيخ عبد المحسن العباد البدر

أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته عن الأمم الماضية بأخبار لابد من التصديق بها ، وأنها وقعت وفق خبره(صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما أخبر عن أمور مستقبلة لابد من التصديق بها ، والاعتقاد أنها ستقع على وفق ما جاء عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) وما من شيء يقرب إلى اللّه إلاّ وقد دلّ الامة عليه . ورغّبها فيه ، وما من شر إلاّ حذّرها منه .
إن من بين الامور المستقبلة التي تجري في آخر الزمان ، عند نزول عيسى بن مريم(عليه السلام) من السماء ، هو خروج رجل من أهل بيت النبوة من ولد علي بن أبي طالب ، يوافق اسمه اسم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ويقال له المهدي ، يتولى إمرة المسلمين ، ويصلي عيسى بن مريم(عليه السلام) خلفه ، وذلك لدلالة الاحاديث المستفيضة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، التي تلقتها الأمة بالقبول ، واعتقدت موجبها إلاّ من شذ .
وسيكون الكلام حول هذا الموضوع لأمرين :
الأول : أن الأحاديث الواردة في المهدي لم ترد في الصحيحين على وجه التفصيل ، بل جاءت مجملة ، وقد وردت في غيرهما مفسرة لما فيهما ، فقد يظن ظان أن ذلك يقلل من شأنهما ، وذلك خطا واضح ، فالصحيح بل الحسن في غير الصحيحين مقبول معتمد عند أهل الحديث .
الثاني : أن بعض الكتّاب في هذا العصر أقدم على الطعن في الأحاديث الواردة في المهدي بغير علم ، بل جهلاً أو تقليداً لأحد لم يكن من أهل العناية بالحديث . وقد اطلعت على تعليق لعبد الرحمن محمد عثمان على كتاب تحفة الاحوذي ، الذي طبع أخيراً في مصر .
قال في الجزء السادس في باب ما جاء في الخلفاء في تعليقه : «يرى الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد من أحاديث عن المهدي ، إنما هو موضع شك ، وأنها لا تصح عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل إنها من وضع الشيعة» .
وقال معلقاً بشأن المهدي في باب ما جاء في تقارب الزمن وقصر الأمل في الجزء المذكور : «ويرى الكثيرون من العلماء الثقاة الإثبات أن ما ورد في أحاديث خاصة بالمهدي ليست إلاّ من وضع الباطنية والشيعة وإضرابهم ، وأنها لا تصح نسبتها إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)» .
بل لقد تجرأ بعضهم إلى ما هو أكثر من ذلك ، فنجد محيي الدين عبد الحميد في تعليقته على الحاوي للفتاوي للسيوطي ، يقول في آخر جزء في العرف الوردي في أخبار المهدي (ص 166) من الجزء الثاني: «يرى بعض الباحثين أن كل ما ورد عن المهدي وعن الدجال من الاسرائيليات» .
لهذين الأمرين ، ولكون الواجب على كل مسلم ناصح لنفسه ألاّ يتردد في تصديق الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يخبر به ، رأيت أن يكون الكلام حول هذا الأمر كما قلت ، تحت عنوان عقيدة اهل السنة والاثر في المهدي المنتظر .
ولكي نكون على علم مقدماً بعناصر الموضوع ، أسوقها لكم فيما يلي :
الاول : ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) .
الثاني : ذكر أسماء الأئمة الذين أخرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم .
الثالث : ذكر الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف من العلماء .
الرابع : ذكر الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ، وحكاية كلامهم في ذلك .
الخامس : ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي .
السادس : ذكر بعض الأحاديث في شأن المهدي الواردة في غير الصحيحين ، مع الكلام عن أسانيد بعضها .
السابع : ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي ، واعتقدوا موجبها ، وحكاية كلامهم في ذلك .
الثامن : ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار أحاديث المهدي ، أو التردد فيها ، مع مناقشة كلامه باختصار .
التاسع : ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي ، والجواب عن ذلك .
العاشر : كلمة ختامية .
الأول : أسماء الصحابة الذين رووا عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث المهدي :
جملة ما وقفت عليه من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة وعشرون ، وهم :
1 ـ عثمان بن عفان .
2 ـ علي بن أبي طالب .
3 ـ طلحة بن عبيد اللّه .
4 ـ عبد الرحمان بن عوف .
5 ـ الحسين بن علي .
6 ـ أم سلمة .
7 ـ أم حبيبة .
8 ـ عبد اللّه بن عباس .
9 ـ عبد اللّه بن مسعود .
10 ـ عبد اللّه بن عمر .
11 ـ عبد اللّه بن عمرو .
12 ـ أبو سعيد الخدري .
13 ـ جابر بن عبد اللّه .
14 ـ أبو هريرة .
15 ـ أنس بن مالك .
16 ـ عمار بن ياسر .
17 ـ عوف بن مالك .
18 ـ ثوبان مولى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) .
19 ـ قرة بن إياس .
20 ـ علي الهلالي .
21 ـ حذيفة بن اليمان .
22 ـ عبد اللّه بن الحارث بن جزء .
23 ـ عوف بن مالك .
24 ـ عمران بن حصين .
25 ـ أبو الطفيل .
26 ـ جابر الصدفي .

الثاني : أسماء الأئمة الذين خرّجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم :
وأحاديث المهدي خرّجها جماعة كثيرون من الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها ، وقد بلغ عدد الذين وقفت على كتبهم ، واطلعت على ذكر تخريجهم لها ، ثمانية وثلاثين ، وهم :
1 ـ أبو داود في سننه .
2 ـ الترمذي في جامعه .
3 ـ ابن ماجة في سننه .
4 ـ النسائي ، ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية ، والمناوي في فيض القدير ، وما رأيته في الصغرى ، ولعله في الكبرى .
5 ـ احمد في مسنده .
6 ـ ابن حبان في صحيحه .
7 ـ الحاكم في المستدرك .
8 ـ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف .
9 ـ نعيم بن حماد في كتاب الفتن .
10 ـ الحافظ أبو نعيم في كتاب المهدي ، وفي الحلية .
11 ـ الطبراني في الكبير والأوسط والصغير .
12 ـ الدارقطني في الافراد .
13 ـ البارودي في معرفة الصحابة .
14 ـ أبو يعلى الموصلي في مسنده .
15 ـ البزار في مسنده .
16 ـ الحارث بن أبي أسامة في مسنده .
17 ـ الخطيب في تلخيص المتشابه ، وفي المتفق والمتفرق .
18 ـ ابن عساكر في تاريخه .
19 ـ ابن منده في تاريخ أصبهان .
20 ـ أبو الحسن الحربي في الاول من الحربيات .
21 ـ تمام الرازي في فوائده .
22 ـ ابن جرير في تهذيب الاثار .
23 ـ أبو بكر بن المقري في معجمه .
24 ـ أبو عمرو الداني في سننه .
25 ـ أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن .
26 ـ الديلمي في مسند الفردوس .
27 ـ أبو بكر الاسكاف في فوائد الاخبار .
28 ـ أبو حسين بن المناوي في كتاب الملاحم .
29 ـ البيهقي في دلائل النبوة .
30 ـ أبو عمرو المقري في سننه .
31 ـ ابن الجوزي في تاريخه .
32 ـ يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده .
33 ـ الروياني في مسنده .
34 ـ ابن سعد في الطبقات .
35 ـ ابن خزيمة .
36 ـ عمرو بن شبر .
37 ـ الحسن بن سفيان .
38 ـ أبو عوانه .
وهؤلاء الأربعة ذكر السيوطي في العرف الوردي كونهم ممن خرج أحاديث المهدي ، دون عزو التخريج إلى كتاب معين .
الثالث : ذكر لبعض الذين ألفوا كتباً في شأن المهدي :
وكما اعتنى علماء هذه الأمة بجمع الأحاديث الواردة عن نبيهم(صلى الله عليه وآله)تأليفاً وشرحاً ، كان للأحاديث المتعلقة بأمر المهدي قسطها الكبير من هذه العناية ، فمنهم من أدرجها ضمن المؤلفات العامة كما في السنن والمسانيد وغيرها ، ومنهم من أفردها بالتأليف ، وكل ذلك حصل منهم حماية لهذا الدين ، وقياماً بما يجب من النصح للمسلمين ، فمن الذين أفردوها بالتأليف :
1 ـ أبو بكر بن أبي خيثمة زهير بن حرب . قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه : «ولقد توغل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي» .
2 ـ الحافظ أبو نعيم ، ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، وذكره في العرف الوردي ، بل قد لخص السيوطي الاحاديث التي جمعها أبو نعيم في المهدي ، وجعلها ضمن كتابه العرف الوردي ، وزاد عليها فيه أحاديث وآثاراً كثيرة جداً .
3 ـ السيوطي ، فقد جمع فيه جزءاً سماه العرف الوردي في أخبار المهدي ، وهو مطبوع ضمن كتابه الحاوي للفتاوي في الجزء الثاني منه . قال في أوله : «الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى ، هذا جزء جمعت فيه الأحاديث والآثار الواردة في المهدي ، لخصت فيه الاربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم ، وزدت عليه مافات ، ورمزت عليه صورة (ك)» .
والأحاديث والآثار التي أوردها السيوطي في شأن المهدي تزيد على المئتين ، وفيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع ، وإذا أورد الحديث الواحد أضافه إلى كل من الذين خرّجوه ، فيقول مثلاً في أحدها : «أخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة» .
4 ـ الحافظ عماد الدين بن كثيرة قال في كتابه الفتن والملاحم : «وقد أفردت في ذكر المهدي جزءاً على حدة ، وللّه الحمد والمنة» .
5 ـ الفقيه ابن حجر المكي ، وقد سمى مؤلَّفه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ، ذكر ذلك البرزنجي في الاشاعة ، ونقل منه ، وكذلك السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وغيرهما .
6 ـ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال ، فقد ألف في شأن المهدي رسالة ذكرها البرزنجي في الاشاعة ، وذكر ذلك قبله أيضاً ملا علي القاري الحنفي ، في المرقاة شرح المشكاة .
7 ـ ملا علي القاري ، وسمى مؤلَّفه المشرب الوردي في مذهب المهدي ، ذكره في الاشاعة ، ونقل جملة كبيرة منه .
8 ـ مرعي بن يوسف الحنبلي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين بعد الالف ، وسمى مؤلَّفه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر ، ذكره السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وذكره الشيخ صديق حسن القنوجي في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، وغيرها .
9 ـ ومن الذين ألفوا في شأن المهدي ، بالاضافة إلى مسألتي نزول عيسى(عليه السلام) وخروج المسيح والدجال ، القاضي محمد بن علي الشوكاني ، وسمى مؤلَّفه التوضيح في تواتر ماجاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح ، ذكر ذلك صديق حسن في الاذاعة ، ونقل جملة منه ، والشوكاني ممن ألف بشأنه ، وحكى تواتر الاحاديث الواردة فيه .
10 ـ الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام ، المتوفى سنة 1182 هـ . قال صديق حسن في الاذاعة : «وقد جمع السيد العلامة بدر الملة المنير ، محمد بن إسماعيل الامير اليماني ، الأحاديث القاضية بخروج المهدي ، وأنه من آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنه يظهر في آخر الزمان» ، ثم قال : «ولم يأت تعيين زمنه إلاّ أنه يخرج قبل خروج الدجال» .
الرابع : ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك :
1 ـ الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الابري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي ، المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاث مئة من الهجرة . قال في محمد بن خالد الجندي راوي حديث : «لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم» : «محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل ، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملا الأرض عدلاً ، وأن عيسى(عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلى عيسى خلفه» .
نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار ، وسكت عليه ، ونقله عنه أيضاً الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة محمد بن خالد الجندي ، وسكت عليه ، ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضاً فتح الباري ، في باب نزول عيسى بن مريم(عليه السلام) ، ونقل عنه ذلك أيضاً السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي ، وسكت عليه ، ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف في كتابه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر ، كما ذكر ذلك صديق حسن في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة .
2 ـ محمد البرزنجي المتوفى سنة ثلاث بعد المئة والالف في كتابه الاشاعة لاشراط الساعة . قال : «الباب الثالث في الاشراط العظام والامارات القريبة التي تعقبها الساعة ، وهي أيضاً كثيرة ، فمنها المهدي ، وهو أولها . واعلم أن الاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر» إلى أن قال : «ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنه من ولد فاطمة» إلى أن قال : «قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان ، وأنه من عترة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة ، بلغت حد التواتر المعنوي ، فلا معنى لإنكارها».
وقال في ختام كتابه المذكور ، بعد الإشارة إلى بعض أمور تجري في آخر الزمان : «وغاية ما ثبت الأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة ، التي بلغت التواتر المعنوي ، وجود الآيات العظام التي فيها بل أولها خروج المهدي ، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملا الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً» .
3 ـ الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المئة والألف ، في كتابه لوامع الانوار البهية . قال : «وقد كثرت بخروجه (يعني المهدي) الروايات ، حتى بلغت حد التواتر المعنوي» وأورد الأحاديث في خروج المهدي ، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ، ثم قال : «وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي اللّه عنهم بروايات متعددة ، وعن التابعين من بعدهم ، ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة» .
4 ـ القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المئتين والالف ، وهو صاحب التفسير المشهور ، ومؤلف نيل الاوطار. قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح : «فالأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول ، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك» .
وقال في مسألة نزول المسيح(عليه السلام) : «فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة ، والأحاديث الواردة في نزول عيسى(عليه السلام) متواترة» .
5 ـ الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاث مئة والألف . قال في كتابه الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : «والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً ، تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد» إلى أن قال : «لاشك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين شهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه» إلى أن قال : «فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر ، المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة الى حد التواتر» .
6 ـ الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاث مئة والألف . قال في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر : «وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى(عليه السلام) ثابت بالكتاب والسنة والإجماع» ثم قال : «والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم(عليه السلام)».
الخامس : ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث مما له تعلق بشأن المهدي :
1 ـ روي البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال : «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم؟ » .
2 ـ وروى مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه عن أبي هريرة مثل حديثه عن البخاري ; ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم ؟» ، وفيه تفسير ابن أبي ذئب راوي الحديث لقوله : «وأمكم منكم» ، بقوله : «فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم(صلى الله عليه وآله وسلم)» .
3 ـ وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة .
قال : فينزل عيسى ابن مريم(عليه السلام) فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الأمة» .
فهذه الأحاديث التي وردت في الصحيحين ، وإن لم يكن فيها التصريح بلفظ المهدي ، تدل على صفات رجل صالح يؤم المسلمين في ذلك الوقت . وقد جاءت الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الأحاديث التي في الصحيحين ، ودالة على أن ذلك الرجل الصالح اسمه محمد ، ويقال له المهدي . والسنة يفسر بعضها بعضاً .
ولما كان المقام لا يتسع لايراد الكثير من الأحاديث الواردة في غير الصحيحين ، في شأن المهدي ، والكلام عليها ، رأيت الاقتصار هنا على إيراد بعضها ، مع الكلام على بعض أسانيدها .
السادس : ذكر بعض الأحاديث في المهدي الواردة في غير الصحيحين :
1 ـ عن أبي سعيد الخدري قال : «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) : أبشركم بالمهدي . يبعث على اختلاف من الناس ، وزلازل ، فيملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم المال صحاحاً . قال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال : بالسوية ، ويملا اللّه قلوب أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) غناء ، ويسعهم عدله» ، إلى آخر الحديث .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد : «رواه أحمد بأسانيد أبي يعلى باختصار كثير» .
2 ـ عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «يكون في أمتي المهدي» ، إلى آخر الحديث .
قال الهيثمي : «رواه الطبراني في الاوسط ، ورجاله ثقات» .
3 ـ عقد أبو داود في سننه كتاباً ، قال في أوله : «أول كتاب المهدي»، وقال في آخره : «آخر كتاب المهدي» ، وجعل تحته باباً واحداً أورد فيه ثلاثة عشر حديثاً ، وصدر هذا الكتاب بحديث جابر ابن سمرة قال : «سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة» الحديث .

قال السيوطي في آخر جزء من العرف الوردي في أخبار المهدي : «إن في ذلك إشارة إلى ما قاله العلماء : إن المهدي احد الاثني عشر» .
4 ـ روى أبو داود في سننه من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن أبي زرعة عن عبد اللّه بن مسعود ، عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول اللّه ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني (أو من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي» الحديث .
وهذا الحديث سكت عليه أبو داود والمنذري ، وكذا ابن القيم في تهذيب السنن وقد أشار إلى صحته في المنار المنيف ، وصححه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية ، وقد أورده في مصابيح السنة في فصل الحسان ، وقال عنه الألباني في تخريج أحاديث المشكاة : «وإسناده حسن» .
5 ـ قال أبو داود في سننه : «حدثنا سهل بن تمام بن بديع ، حدثنا عمران القطان عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الانف ، يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين» .
قال ابن القيم في المنار المنيف : «رواه أبو داود بإسناد جيد» ، وأورده في مصابيح السنة في فصل الحسان ، وقال الالباني في تخريج أحاديث المشكاة : «وإسناده حسن» ، ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير .
6 ـ قال أبو داود في سننه : «حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبد اللّه بن جعفر الرقي ، حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة» ، وأخرجه ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال : «كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي ، فقالت : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من ولد فاطمة» .
وقد أورد هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير ، ورمز لصحته ، وأورده في مصابيح السنن في فصل الحسان ، وقال الالباني في تخريج أحاديث المشكاة : «وإسناده جيد» .
السابع : ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها ، وحكاية كلامهم في ذلك :
قال الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة : «إن في المهدي أحاديث جياداً» . قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة علي بن نفيل بن زارع النهدي : «قلت : ذكره العقيلي في كتابه ، وقال : لا يتابع على حديثه في المهدي ، ولا يعرف إلاّ به» . قال : «وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه» .
ويرى الامام ابن حبان البستي المتوفى سنة 354 أن الاحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث : «لا يأتي عليكم زمان إلاّ والذي بعده شر منه»
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هيثم
المدير العام
المدير العام
هيثم


عدد المساهمات : 1576
تاريخ التسجيل : 14/10/2011

عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر  Empty
مُساهمةموضوع: رد: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر    عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر  Emptyالأحد أكتوبر 23, 2011 3:48 pm

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن : «إن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)قال : لا يأتي عليكم زمان إلاّ والذي بعده شر منه ، حتى تلقوا ربكم» . قال : «واستدل ابن حبان في صحيحه بأن الحديث(1) ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي ، وأنه يملا الارض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً» .
وقال الامام البيهقي المتوفى سنة 458 هـ ، بعد كلامه على تضعيف «لامهدي إلاّ عيسى ابن مريم» قال : «والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسناداً» .
نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة محمد بن خالد الجندي ، راوي حديث «لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» ، ونقله عنه أيضاً ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف .
وقال الإمام محمد بن احمد بن أبي بكر القرطبي ، صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة 671 هـ ، في كتابه التذكرة في أمور الآخرة ، بعد ذكر حديث «ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» قال : «إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث ، فالحكم بها دونه» ، وقال : «يحتمل أن يكون قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ، أي لا مهدي كاملاً إلاّ عيسى» . قال : «وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض» .
نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء من العرف الوردي في أخبار المهدي .
وقال ابن تيمية المتوفى سنة 728 في كتابه منهاج السنة النبوية (4:211) ، في التعليق على الحديث الذي رواه ابن عمر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي ، وكنيته كنيتي ، يملا الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، وذلك هو المهدي» : «إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة ، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره ، كقوله(صلى الله عليه وآله وسلم)في الحديث الذي رواه ابن مسعود : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم ، لطول اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني (أو من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة ، وفيه : المهدي من عترتي من ولد فاطمة ، ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد ، وفيه : يملك الأرض سبع سنين ، ورواه عن علي(رضي الله عنه) أنه نظر إلى الحسن وقال : إن ابني هذا سيد كما سماه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ، يملا الارض قسطاً . وهذه الاحاديث غلط فيها طوائف ، طائفة أنكروها ، واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ، وهذا الحديث ضعيف ، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس مما يعتمد عليه ، ورواه ابن ماجة عن يونس عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد بن خالد الجندي ، وهو ممن لا يحتج به ، وليس في مسند الشافعي ، وقد قيل : إن الشافعي لم يسمعه من الجندي ، وإن يونس لم يسمعه من الشافعي ، وطائفة قالت : جده الحسين ، وكنيته أبو عبد اللّه ، فمعناه محمد بن أبي عبد اللّه ، وجعلت الكنية اسماً ، وممن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول» .
وقد عقد ابن القيم في آخر كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف ، فصلاً في الكلام على أحاديث المهدي وخروجه، والجمع بينها وبين حديث : «لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» ، قال فيه : «فأما حديث : لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ، فرواه ابن ماجة في سننه عن يوسف بن عبد الاعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو مما تفرد به محمد بن خالد . قال أبو الحسن محمد بن الحسين الابري في كتاب مناقب الشافعي : محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل . وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر المهدي ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، وأنه يملا الأرض عدلاً ، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال ، وأنه يؤم هذه الامة ويصلي عيسى خلفه ، وقال البيهقي : تفرد به محمد بن خالد هذا ، وقد قال الحاكم أبو عبد اللّه : هو مجهول، وقد اختُلف عليه في إسناده ، فروي عنه عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلاً عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) . قال : فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد ، وهو مجهول ، عن أبان بن أبي عياش ، وهو متروك ، والاحاديث على خروج المهدي أصح إسناداً» . قال ابن القيم : «قلت : كحديث عبد اللّه بن مسعود عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم ، لطول اللّه ذلك اليوم حتى يبعث رجل مني (أو من أهل بيتي) يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . قال (يعني الترمذي) : وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة ، ثم روى حديث أبي هريرة وقال : حسن صحيح».
ثم قال ابن القيم : «وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وأبي أمامة الباهلي وعبد الرحمان بن عوف وعبد اللّه بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم» ، ثم أورد عدة أحاديث رواها بنص أهل السنن والمسانيد وغيرها ، منها ماهو صحيح ، ومنها ماهو ضعيف أورده للاستئناس به .
ثم قال : «وهذه الاحاديث أربعة أقسام : صحاح ، وحسان ، وغرائب ، وموضوعة ، وقد اختلف الناس في المهدي عن أربعة أقوال ، أحدها أنه المسيح ابن مريم .
واحتج أصحاب هذا القول بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم ، وقد بينا حاله ، وأنه لا يصح ، ولو صح لم يكن به حجة ; لان عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الساعة ، وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، وحكمه بكتاب اللّه ، وقتله اليهود والنصارى ، ووضعه الجزية ، وإهلاك أهل الملل في زمانه ، فيصح أن يقال لا مهدي في الحقيقة سواه ، وإن كان غيره مهدياً ، كما يقال لا علم إلاّ ما نفع ، ولا مال إلاّ ما وقى وجه صاحبه ، وكما يصح أن يقال إنما المهدي عيسى ابن مريم ، يعني المهدي الكامل المعصوم .
القول الثاني : أنه المهدي الذي ولي من بني العباس ، وقد انتهى زمانه » .
ثم ذكر حديثين منهما ذكر مجيء الرايات السود من قبل المشرق من جهة خراسان ، وأشار إلى ضعفهما ، ثم قال مشيراً إلى أولها وثانيها : «هذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على(1) الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج من آخر الزمان ، بل هو مهدي من جملة المهديين ، وعمر بن عبد العزيز كان مهدياً » .
ثم قال : «القول الثالث أنه رجل من أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج في آخر الزمان ، وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملاها قسطاً وعدلاً ، وأكثر الأحاديث على هذا تدل » .
ثم أورد بعض الأحاديث في خروج المهدي ، ثم قال : «وأما الأمامية الرافضة فلهم قول رابع ، وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر ، من ولد الحسين بن علي ، لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار» .
وقال أبو الحسن السمهودي المتوفى سنة 911 هـ : «ويتحصل مما ثبت في الإخبار عنه (أي المهدي) أنه من ولد فاطمة ، في أبي داود أنه من ولد الحسن ، والسر فيه ترك الحسن الخلافة للّه شفقة على الأمة ، فجعل القائم بالخلافة ـ الحق ـ عند شدة الحاجة وامتلاء الأرض ظلماً من ولده ، وهذه سنة اللّه في عباده أنه يعطي لمن ترك شيئاً من أجله أفضل مما ترك أو ذريته ، وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة» . انتهى بواسطة نقل المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي.
وقال ابن حجر المكي المتوفى سنة 974 هـ في كتابه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر : «الذي يتعين اعتقاده ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر ، الذي يخرج الدجال وعيسى خلفه ، وأنه المراد حيث أُطلق المهدي» . انتهى بواسطة نقل البرزنجي في الاشاعة لاشراط الساعة .
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير(رحمه الله) ، في كتاب الفتن والملاحم تحت عنوان في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان : «وهو أحد الخلفاء الراشدين الائمة المهديين» .
وقال الترمذي : «حدثنا محمد جعفر حدثنا شعبة سمعت زيداً العمى سمعت الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري قال : خشينا أن يكون بعد نبينا حدث ، فسألنا نبي اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : إن في أمتي المهدي ، يخرج فيعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً (زيد الشاك) . قال : قلنا : وما ذاك ؟ قال : سنين . قال : يجيء إليه الرجل فيقول : يا مهدي أعطني . قال : فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله . هذا حديث حسن ، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) . وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ، ويقال بكر بن قيس ، وهذا دليل على أن أكثر مدته تسع ، وأقلها خمس أو سبع ، ولعله هو الخليفة الذي يحثي المال حثياً . واللّه أعلم . وفي زمانه تكون الثمار كثيرة ، والزروع غزيرة ، والمال وافر ، والسلطان قاهر ، والدين قائم ، والعدو راغم ، والخير في أيامه دائم» .
قال الامام أحمد : «حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال : كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود ، وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمان ، هل سألتم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) كم يملك هذه الامة من خليفة ؟ قال عبد اللّه : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول اللّه فقال : اثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل» .
وأصل الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة قال : «سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً، ثم تكلم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي ماذا قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال : كلهم من قريش» وهذا لفظ مسلم ، ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ويعدل فيهم .
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المتوفى سنة 1032 هـ ، في كتابه المذكور : «وأخبار المهدي كثيرة شهيرة ، أفردها غير واحد في التأليف» إلى أن قال : «أخبار المهدي لا يعارضها خبر : لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ; لان المراد به ، كما قال القرطبي ، لا مهدي كاملاً إلاّ عيسى ابن مريم» .
وقال المناوي عند حديث : « لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها ، والمهدي في وسطها» «أراد بالوسط ما قبل الاخر ، لان نزوله(عليه السلام) لقتل الدجال يكون في زمن المهدي ، ويصلي عيسى خلفه ، كما جاءت به الاخبار ، وجزم به جمع من الاخيار» وذكر عند حديث : «منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه» أنه بعد نزوله يجيء فيجد الامام المهدي يريد الصلاة ، فيتأخر ليتقدم ، فيقدمه عيسى(عليه السلام)ويصلي خلفه . قال : «فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الامة» ثم قال : «ولا ينافي ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الاثار ، من أن عيسى هو الامام المهدي ، وجزم به السعد التفتازاني ، وعلله بأفضليته ; لامكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولاً ليظهر أنه نزل تابعاً لنبينا حاكماً بشرعه ، ثم بعد ذلك يقتدي المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل» .
وقال الشيخ محمد السفاريني في كتابه لوامع الانوار البهية وسواطع الاسرار الاثرية ، الذي شرح فيه نظمه في العقيدة المسمى «الدرة المغنية في عقد الفرقة المرضية» :
وما أتى بالنص من أشراط * فكله حق بلا شطاط
منها الامام الخاتم النصيح * محمد المهدي والمسيح
«منها أي من أشراط الساعة التي وردت بها الاخبار ، وتواترت في مضمونها الاثار ، أي من العلامات العظمى ، وهي أولها أن يظهر الامام المقتدى بأقواله وأفعاله ، الخاتم للائمة فلا امام بعده ، كما أن النبي(صلى الله عليه وآله) هو الخاتم للنبوة والرسالة ، فلا نبي ولا رسول بعد الفصيح اللسان ، لانه من صحيح العرب أهل الفصاحة والبلاغة» .
ثم قال : «وقوله : محمد المهدي ، هذا اسمه وأشهر أوصافه ، فأما اسمه فمحمد ، جاء ذلك في عدة أخبار ، وفي بعضها أن اسمه محمد ، واسم ابيه عبد اللّه ، فقد صح عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال : يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي . رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة ، ولفظه أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم ، لطول اللّه ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهلي بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وروى نحوه الترمذي وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم من حديث ابن مسعود(رحمه الله) .
وفي رواية من حديث ابن مسعود أيضاً : لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، يملا الارض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ... أخرجه الطبراني في معجمه الصغير ، وأخرجه الترمذي ، ولفظه : حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، وقال : حديث حسن صحيح ، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه ، وروى ابن مسعود أيضاً رفعه : اسم المهدي محمد ، وفي مرفوع حذيفة : محمد بن عبد اللّه ، ويكنى أبا عبد اللّه ، ومن أسمائه احمد بن عبد اللّه ، كما في بعض الروايات» . إلى أن قال : «وأما تسميته ووصفه بالمهدي ، فقد ثبتت له هذه الصفة في عدة أخبار» . إلى أن قال : «وأما كنيته فأبو عبد اللّه ، وأما نسبه فإنه من أهل بيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)» .
ثم إن الروايات الكثيرة والاخبار الغزيرة ناطقة أنه من ولد فاطمة البتول ابنة النبي الرسول(صلى الله عليه وآله) ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين ، وجاء في بعض الاحاديث أنه من ولد العباس ، والاول أصح . قال ابن حجر في كتابه القول المختصر : وأما ما روي : إن المهدي من ولد العباس عمي ، فقال الدارقطني : حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم . قال : ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس مرفوعاً: ألا ابشرك يا عم أن ذريتك الاصفياء ، ومن عترتك الخلفاء ، ومنك المهدي في آخر الزمان ، به ينشر اللّه الهدى ، ويطفئ نيران الضلالة . إن اللّه فتح بنا هذا الامر ، وبذريتك يختم . ثم أورد ابن حجر عدة أخبار في هذا المعنى ، ثم قال : فهذه الاخبار كلها لا تنافي أن المهدي من ذرية رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة الزهراء ; لان الاحاديث التي فيها أن المهدي من ولدها أكثر وأصح ، بل قال بعض حفاظ الامة وأعيان الائمة ، أن كون المهدي من ذريته(صلى الله عليه وآله) مما تواتر عنه ذلك ، فلا يسوغ العدول ولا الالتفات إلى غيره» .
ثم ذكر الشيخ السفاريني(رحمه الله) خمس فوائد ، تكلم على كل واحدة منها ، الاولى في حليته وصفته ، والثانية في سيرته ، والثالثة في علامات ظهوره ، والرابعة في الاشارة إلى بعض الفتن الواقعة قبل خروجه ، والخامسة في مولده وبيعته ومدة ملكه ومتعلقات ذلك ، ثم قال بعد الانتهاء من الكلام على الفوائد الخمس : «قد كثرت الاقوال في المهدي ، حتى قيل لا مهدي إلاّ عيسى ، والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى ، وأنه يخرج قبل نزول عيسى(عليه السلام) ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي ، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عُدَّ من معتقداتهم» ثم ذكر بعض الاثار والاحاديث في خروج المهدي ، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ، ثم قال : «وقد روي عما(1) ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي اللّه عنهم روايات متعددة ، وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالايمان بخروج المهدي واجب ، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة» .
وقال الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي المتوفى سنة ست وعشرين وثلاثمئة والف ، في كتابه صيانة الانسان عن وسوسة الشيخ دحلان : «وبعد انقراض قرن الصحابة أتى أمته ما يوعدون من الحوادث والبدع ، وكلما أحدثت بدعة رفع مثلها من السنة ، ولكن في قرن التابعين وأتباع التابعين لم تظهر البدع ظهوراً فاشياً ، وأما بعد قرن أتباع التابعين فقد تغيرت الاحوال تغيراً فاحشاً ، وغلبت البدع ، وصارت السنة غريبة ، واتخذ الناس البدعة سنة والسنة بدعة ، ولا تزال السنة في المستقبل غريبة إلاّ ما استثني من زمان المهدي(رضي الله عنه) ، وعيسى(عليه السلام)إلى أن تقوم الساعة على شرار الناس» .
وقال الشيخ شمس الحق العظيم آبادي المتوفى سنة 1329 هـ في حاشيته المسماة عون المعبود على سنن أبي داود : «وخرّج أحاديث المهدي جماعة من الائمة ، منهم أبو داود والترمذي وابن ماجة والبزاز والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة ، مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد اللّه بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد اللّه بن الحارث ابن جزء ، وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف» .
وقال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري المتوفى سنة 1352 هـ في كتابه عقيدة الاسلام : «أخرج مسلم في نزول عيسى(عليه السلام) عن جابر يقول : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى ابن مريم(صلى الله عليه وآله)فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة» . قال الكشميري : «المراد به أنه لا يؤم في تلك الصلاة ، حتى لا يتوهم أن الامة المحمدية سلبت الولاية» .
هذه بعض الكلمات التي وقفت عليها لبعض أهل السنة والاثر في شأن المهدي ، والاحتجاج بالاحاديث الواردة فيه ، وأعني بأهل السنة والاثر أهل الحديث ومن سار على منوالهم ، ممن جعل مستنده في الاعتقاد كتاب اللّه وما ثبت عن رسوله(صلى الله عليه وآله) ، دون الاعتراض على ذلك بخيال يسميه صاحبه معقولاً .
الثامن : ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه ، مع مناقشة كلامه باختصار:
فإن قال قائل : قد أكثرت من النقل عن أهل العلم في إثبات خروج المهدي في آخر الزمان ، فلماذا ؟ وهل وقفت على ذكر إنكار أحد لخروج المهدي ، أو التردد في شأنه على الاقل ؟
والجواب عن السؤال الاول هو أنني أوردت بعض ما وقفت عليه من كلام أهل العلم ، بشأن خروج المهدي في آخر الزمان ، لتزداد ثباتاً ويقيناً بأن اعتقاد خروجه آخر الزمان هو الجادة المسلوكة ، ولتعلم أنه الحق الذي لا يسوغ العدول عنه والالتفات إلى غيره ، وعمدة اهل العلم في ذلك الاحاديث الواردة عن الرسول(صلى الله عليه وآله) فيه ، إذ لا مجال للرأي في مثل هذا الامر ، بل سبيله الوحيد هو الوحي ; لانه من الامور الغيبية .
أما الجواب عن السؤال الثاني ، فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي ، أو تردد فيها ، سوى رجلين اثنين . أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي ، الذي ذكره ابن تيمية في منهاج السنة ، وقد مضى حكاية كلام ابن تيمية عنه ، وأنه قد اعتمد على حديث «لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» وقال ابن تيمية : «وليس مما يعتمد عليه لضعفه» . وسبق في أثناء الكلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث لكان الجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكناً . ولم أقف على ترجمة لابي محمد المذكور .
وأما الثاني فهو عبد الرحمان بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه لاحاديث المهدي . وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تأريخه ، فظهر لي منه التردد لا الجزم بالانكار . وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ، ونكوب عن الجادة المطروقة . وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه إلاذاعة حيث قال : «لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه» وقال : «لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود ، والمنتظر المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة إلى حد التواتر» .
ولي ملاحظات على كلام ابن خلدون أرى أن أشير إليها هنا :
الاولى : أنه لو حصل التردد في أمر المهدي من رجل له خبرة بالحديث ، لاعتبر ذلك زللاً منه ، فكيف إذا كان من الاخباريين الذين هم ليسوا من أهل الاختصاص ؟ وقد احسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه لاحاديث المسند حيث قال : «أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم ، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها» وقال : «إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتاً عجيباً ، وغلط أغلاطاً واضحة» وقال : «إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين : الجرح مقدم على التعديل ، ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال» .
الثانية : صدَّر ابن خلدون الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي بقوله : «اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الاسلامية ، ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته ، ويحتجون في هذا الشأن بأحاديث خرّجها الائمة ، وتكلم فيها المنكرون لذلك ، وربما عارضوها ببعض الاخبار» .
أقول : هذه الشهادة التي شهدها ابن خلدون ، وهي أن اعتقاد خروج المهدي هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار ، ألا يسعه في ذلك ما وسع الناس على ممر الاعصار ؟ كما ذكر ابن خلدون نفسه ، وهل ذلك إلاّ شذوذ بعد معرفة أن الكافة على خلافه ؟ وهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ ؟ والامر ليس اجتهادياً ، وإنما هو غيبي لا يسوغ لاحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب اللّه أو سنة نبيه(صلى الله عليه وآله) ، والدليل معهم وهم أهل الاختصاص .
الثالثة : أنه قال قبل إيراد الاحاديث : «ونحن الان نذكر هنا الاحاديث الواردة في هذا الشأن» وقال في نهايتها : «فهذه جملة الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان» وقال في موضع آخر بعد ذلك : «وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا» .
وأقول : إنه قد فاته الشيء الكثير ، يتضح ذلك بالرجوع إلى ما أثبته السيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي عن الائمة ، بل إن مما فاته الحديث الذي ذكره ابن القيم في المنار المنيف عن الحارث بن أبي أسامة ، وقال : «إسناده جيد» ، وتقدم ذكره بسنده وحاصل ما قيل في رجاله .
الرابعة : أن ابن خلدون نفسه قد اعترف بسلامة بعض أحاديث المهدي من النقد ، حيث قال بعد إيراد الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان : «وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلاّ القليل» .
وأقول : إن القليل الذي يسلم من النقد يكفي للاحتجاج به ، ويكون الكثير الذي لم يسلم عاضداً له ومقوياً ، على أنه قد سلم الشيء الكثير كما تقدم ذلك في حكاية كلام القاضي محمد بن علي الشوكاني ، الذي حكى تواترها وقال : «إن فيها خمسين حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر» ثم إنه في آخر البحث ذكر ما يفيد تردده في أمر المهدي ، وذلك يفيد عدم ثبات رأيه ، لكونه تكلم فيه بما ليس باختصاصه .
هذه بعض الملاحظات على كلام ابن خلدون في شأن المهدي ، وسأستوفي الكلام فيها مع ملاحظات أخرى عليه ، في الرسالة التي أنا بصدد تأليفها في هذا الموضوع ، إن شاء اللّه تعالى .
التاسع : ذكر بعض ما قد يظن تعارضه مع الاحاديث الواردة في المهدي ، مع الجواب عن ذلك :
1 ـ تقدم في أثناء كلام الائمة الذين حكيت كلامهم ، أن حديث «لا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» لا يتعارض مع الاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ; لضعفه ، ولامكان الجمع بينها لو صح ، بأن يكون معناه لا مهدي كاملاً إلاّ عيسى ابن مريم(عليه السلام) ، وذلك ينفي أن يكون غيره مهدياً ، كالمهدي الذي دلت عليه الاحاديث .
2 ـ إن ما دلت عليه أحاديث المهدي من قيامه بنصرة الدين ، وامتلاء الارض في زمانه من العدل ، لا ينافيه وجود الدجال وأتباعه في زمانه ، ومعاداتهم للمسلمين ، وكذا الادلة الدالة على بقاء الاشرار مع الاخيار ، حتى تخرج الريح اللينة التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ، ولا يبقى بعد ذلك إلاّ شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة ; لان المراد مما جاء في أحاديث المهدي كثرة الخير ، وقوة أهل الاسلام ، وحصول الغلبة لهم ، وقهرهم لغيرهم ، وهذا لا ينفي وجود أشرار مغمورين في زمانه ، كما أننا نعتقد أن الرسول(صلى الله عليه وآله)وخلفاءه قد ملؤوا الارض عدلاً ، وكان مع ذلك في الارض في زمانهم من أعدائهم الكثير (قل فللّه الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين).
3 ـ إنّ ما دلت عليه أحاديث المهدي من امتلاء الارض ظلماً وجوراً قبل خروجه لا يدل على خلو الارض من أهل الخير قبل زمانه ، فالرسول(صلى الله عليه وآله) أخبر في أحاديث صحيحة بأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر اللّه ، ومنها الحديث الذي رواه مسلم عن جابر أنه سمع النبي(صلى الله عليه وآله) يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة» وهذه الاحاديث وأحاديث المهدي تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع ، لكنه في بعض الازمان تكون لاهله الغلبة ويحصل له الانتشار ، كما في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وكما في زمن المهدي وعيسى ابن مريم ، وفي بعض الازمان يضعف أهل الحق ويتضاءل انتشاره . أما أن الحق يتلاشى ويضمحل ، فهذا ما لم يكن فيما مضى منذ زمن الرسول(صلى الله عليه وآله) ، ولا يكون في المستقبل حتى خروج الريح التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ، كما أخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى صلوات اللّه وسلامه عليه ، فما من زمن في الماضي إلاّ وقد هيّأ اللّه لهذا الدين من يقوم به ، وفي هذا الزمن الذي تكالب أعداء الاسلام عليه ، وغزي بابنائه المنتسبين إليه أعظم من غزوه بأعدائه ، لم تخل الارض من إقامة شعائر الدين الاسلامي .
العاشر : كلمة ختامية :
إن أحاديث المهدي الكثيرة ، التي ألّف فيها مؤلفون ، وحكى تواترها جماعة ، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم ، تدل على حقيقة ثابتة بلا شك ، وأن أحاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها ، وإثباتها في دواوين أهل السنة ، يصعب كثيراً القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها ، إلاّ على جاهل أو مكابر ، أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها ، ولم يقف على كلام أهل العلم المعتد بهم فيها . والتصديق بها داخل في الايمان بأن محمداً هو رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ; لان من الايمان به(صلى الله عليه وآله) تصديقه فيما أخبر به ، وداخل في الايمان بالغيب الذي امتدح اللّه المؤمنين به بقوله Sadألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب) وداخل في الايمان بالقدر ; فإن سبيل علم الخلق بما قدره اللّه أمران :
أحدهما : وقوع الشيء ، فكل ما كان ووقع علمنا أن اللّه قد شاءه ، لانه لا يكون ولا يقع إلاّ ما شاءه اللّه ، وما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن .
الثاني : الأخبار بالشيء الماضي الذي وقع ، وبالشيء المستقبل قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى(صلى الله عليه وآله) ، فكل ما ثبت إخباره به من الأخبار في الماضي ، علمنا بأنه كان على وفق خبره(صلى الله عليه وآله) ، وكل ما ثبت إخباره عنه مما يقع في المستقبل ، نعلم بأن اللّه قد شاءه ، وأنه لابد أن يقع على وفق خبره(صلى الله عليه وآله) كإخباره(صلى الله عليه وآله) بنزول عيسى(عليه السلام)في آخر الزمان ، وإخباره بخروج المهدي ، وبخروج الدجال، وغير ذلك من الأخبار ، فإنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه أمر خطير . نسأل اللّه السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات .
([1]) هكذا، والصحيح أن يقول: على أن الحديث، الخ .
«التحرير».
([2]) هكذا، والصحيح أن تكون العبارة: ... لو صحّا لم يكن فيهما دليل على أن المهدي، الخ.
«التحرير»
([3]) هكذا، والصحيح: عمن.
«التحرير»


(منقول للفائدة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  رؤساء السودان :من المهدي إلى البشير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات القلمونة :: المنتديات العامه :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: